آلمنا وأحزننا كثيراً خبر حريق المجمع العلمي في القاهرة، هذا المعلم التاريخي المتميز الذي يعود إنشاءه فى القاهرة الى 20 أغسطس 1798، والذي يعد من أعرق المؤسسات العلمية في مصر الشقيقة، ويضم الكثير من الكنوز الثقافية والتاريخية التي لا تقدر بثمن. هذا الحريق الذي تسبب بفقدان وتلف الكثير من الكنوز الثقافية التي لايمكن تعويضها. والذي تلاه الكثير من توجيه الإتهامات ومن خلط للأوراق حول من كان وراء ذلك الفعل المشين. وجرى تبادل الإتهامات بين جهات عدة، فأتهم البعض المتظاهرين، وأتهم آخرون الجيش وأتباع وموالي النظام السابق، وأتهم البعض الآخر المواطنين الذين يجهولون قيمة هذه الكنوز الثقافية الثمينة التي لا تعد كنوزاً للأشقاق في مصر الشقيقة فحسب، أو للعرب أجمع، ولكنها كنوز للأنسانية جمعاء كونها تمثل جزءاً من التراث الإنساني العالمي ككل، وتوسعت دائرة الإتهامات لتشمل والعديد من الجهات الداخلية والخارجية. ولكن الجناة الحقيقيون ومن كان ورائهم مازالوا مجهولين، وحقيقة ماحصل ماتزالت غائبة عنا.
في الوقت عينه تعود بنا الصور والذكريات الى ما حدث في عدد من البلدان العربية الأخرى من أمور مماثلة، فبالأمس القريب، وبعد أحداث الحرب في عام 2003 في العراق، وجدنا جهات مجهولة قامت بحرق المكتبة الوطنية العراقية، والتي لم تحرق مرة واحدة فقط، ولكنها أحرقت مرتين وعن قصد، وفي يومين مختلفين كما ورد في دراسة للدكتورة فائزة أديب عبدالواحد البياتي وعدد من الدراسات الأخرى وكما تناقلته وسائل الإعلام في حينها وفيما بعد، مما أدى الى فقدان الكثير من المقتنيات النادرة والكنوز الثقافية والوثائق التي تضمها المكتبة، وتلف جزء آخر أوتضرره بصورة كبيرة. وما تلاه من أحداث شملت عمليات السلب والتخريب والتدمير للعديد من المكتبات ومؤسسات المعلومات الأخرى في العراق ومن بينها المجمع العلمي العراقي في بغداد والعديد من المؤسسات الأخرى في كافة أنحاء العراق. وتكررت هذه العمليات التخريبية المريبة في عدد من البلدان العربية الأخرى. ويبدوا جلياً لنا إن الجهات التي فعلت ذلك ومن يقف ورائها أرادوا التأكد من أتلاف والقضاء على هذه الوثائق التاريخية المهمة، وضياع ما يوثق فترات وحقب تاريخية مهمة. مما يثير في نفسنا الريبة والشك حول هذه الجهات وما تبغيه من وراء ذلك العمل المشين. فهل من فعل ذلك فعله بجهل وعدوانية للتراث الأنساني وللعلم والثقافة؟ أم إنها عملية منظمة ومخطط لها لأتلاف مايوثق تلك الحقب التاريخية المهمة؟ أم إنها قد تكون عمليات لمحو الأثر لسرقات جرت على تلك الوثائق وأراد من ورائها طمس تلك الآثار؟ إننا لانعني بذلك جهات أو أشخاص معينين من تلك البلدان، ولكننا نتخوف (أو نحن شبه متيقنيين والعلم عند الله) أن تكون هنالك جهات خارجية منظمة هي من قامت بتلك العمليات لغايات في نفسها. لانريد توجيه أصابع الإتهام الى أحد، أو نكرر ما تناقلته بعض الجهات ووسائل الإعلام حول تسمية تلك الجهات بعينها، ولكننا ندعوا الى المزيد من التحقيق والمتابعة لهذا الموضوع الخطير، وضرورة الكشف عن الجناة ومن يقف ورائهم.
ونحن كمتخصصين في مجال علم المعلومات والمكتبات نشعر بحزن شديد وألم وغصة حين نسمع بمثل هذه الأخبار، وندعوا كافة الجهات المعنية والمتخصصة على المستوى العربي والعالمي للسعي لأصدار المزيد من القوانين والمواثيق الدولية التي تلزم كافة البلدان بالحفاظ على تلك الكنوز الثقافية الأنسانية، وحمايتها من السرقة والتعرض للتلف والدمار في مختلف الضروف.
وقد بادرت العديد من الشخصيات والجهات بالتطوع والتبرع لترميم وصيانة ما أمكن من تلك الوثائق، جزاهم الله خيراً، ونددت العديد من الجهات المتخصصة والمهنية بهذه الأعمال الهمجية ومن كان ورائها والتي طالت الكنوز الثقافية. وقد أصدر الأتحاد العربي للمكتبات والمعلومات (إعلم) بياناً للتنديد بشأن الإعتداءات التي طالت مؤسسات ومرافق المعلومات العربية ككل ومشيراُ الى بالاعتداءات الأخيرة التي تعرضت لها مؤسسات ومرافق المعلومات العربية، وذلك على هامش المؤتمر الثاني والعشرين الذي أختتم قبل أيام في دولة السودان الشقيقة، وفي مايلي نصه:
والله ولي التوفيق
عبداللطيف هاشم خيري
قسم المعلومات والمكتبات
الجامعة المستنصرية
بغداد - العراق